فصل: باب المواقيت للحج والعمرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. فصل: [فيمن نذر الاعتكاف]

إذا نذر المعتكف مدة متتابعةكَأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ أَوْ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ (لَزِمَهُ) التَّتَابُعُ فِيهَا، وَفِي مُدَّةِ الْأَيَّامِ يَلْزَمُ اعْتِكَافُ اللَّيَالِيِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَهَا فِي الْأَرْجَحِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ بِلَا شَرْطٍ) وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجِبُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا يَكُونُ مُتَتَابِعًا، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَقْصُودَ الْيَمِينِ الْهِجْرَانُ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ التَّتَابُعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَوَى التَّتَابُعَ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَصْلِ الِاعْتِكَافِ بِقَلْبِهِ، وَلَا يَلْزَمُ فِي مُدَّةِ الْأَيَّامِ اعْتِكَافُ اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَهَا فِي الْأَرْجَحِ، وَلَوْ شُرِطَ التَّفَرُّقُ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالتَّتَابُعِ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ. (وَ) الْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ يَوْمًا لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُ سَاعَاتِهِ عَلَى الْأَيَّامِ) لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْيَوْمِ الْمُتَّصِلِ وَالثَّانِي يَجُوزُ تَنْزِيلًا لِلسَّاعَاتِ مِنْ الْيَوْمِ مَنْزِلَةَ الْأَيَّامِ مِنْ الشَّهْرِ. (وَ) الْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. (أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ مُدَّةً كَأُسْبُوعٍ) عَيَّنَهُ (وَتَعَرَّضَ لِلتَّتَابُعِ وَفَاتَهُ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ) وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ التَّتَابُعَ يَقَعُ ضَرُورَةً فَلَا أَثَرَ لِتَصْرِيحِهِ بِهِ، (وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْقَضَاءِ) قَطْعًا.
(وَإِذَا ذَكَرَ التَّتَابُعَ) فِي نَذْرِهِ (وَشَرَطَ الْخُرُوجَ لِعَارِضٍ صَحَّ الشَّرْطُ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَّا بِحَسَبِهِ، وَالثَّانِي يَلْغُو لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى التَّتَابُعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ عَيَّنَ الْعَارِضَ فَقَالَ: لَا أَخْرُجُ إلَّا لِعِيَادَةِ الْمَرْضَى أَوْ لِعِيَادَةِ زَيْدٍ، خَرَجَ لِمَا عَيَّنَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَهَمَّ مِنْهُ. وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَالَ: لَا أَخْرُجُ إلَّا لِعَارِضٍ أَوْ شُغْلٍ خَرَجَ لِكُلِّ شُغْلٍ دِينِي كَالْعِيَادَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْ دُنْيَوِيٍّ مُبَاحٍ كَلِقَاءِ السُّلْطَانِ، وَاقْتِضَاءِ الْغَرِيمِ وَلَيْسَتْ النُّزْهَةُ مِنْ الشَّغْلِ، وَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ بَعْدَ قَضَاءِ الشُّغْلِ. (وَالزَّمَانُ الْمَصْرُوفُ إلَيْهِ) أَيْ الْعَارِضُ (لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ إنْ عَيَّنَ الْمُدَّةَ كَهَذَا الشَّهْرِ) لِأَنَّ النَّذْرَ فِي الْحَقِيقَةِ لِمَا عَدَاهُ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُدَّةَ كَشَهْرٍ، (فَيَجِبُ) تَدَارُكُهُ لِتَتِمَّ الْمُدَّةُ وَتَكُونُ فَائِدَةُ الشَّرْطِ تَنْزِيلَ ذَلِكَ الْعَارِضِ مَنْزِلَةَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي أَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ.
(وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِالْخُرُوجِ) مِنْ الْمَسْجِدِ (بِلَا عُذْرٍ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي صُوَرٍ. (وَلَا يَضُرُّ إخْرَاجُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ) كَرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ إحْدَى رِجْلَيْهِ أَوْ كِلْتَيْهِمَا وَهُوَ قَاعِدٌ مَادٌّ لَهُمَا، فَإِنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ خَارِجٌ وَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ دَاخِلًا. (وَلَا) يَضُرُّ (الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ) وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يَجِبُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ دَارِهِ) كَسِقَايَةِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ صَدِيقِهِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُ لِلْمَشَقَّةِ فِي الْأَوَّلِ، وَالْمِنَّةِ فِي الثَّانِي. (وَلَا يَضُرُّ بُعْدُهَا) عَنْ الْمَسْجِدِ (إلَّا أَنْ يُفْحِشَ فَيَضُرَّ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِيهِ الْبَوْلُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ فَيَبْقَى طُولَ يَوْمِهِ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ، وَاسْتَثْنَى فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَجِدَ فِي طَرِيقِهِ مَوْضِعًا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، أَوْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ أَنْ يَدْخُلَ لِقَضَائِهَا غَيْرَ دَارِهِ، وَالثَّانِي لَا يَضُرُّ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْمَشَقَّةِ أَوْ الْمِنَّةِ مِنْ غَيْرِهَا، (وَلَوْ عَادَ مَرِيضًا فِي طَرِيقِهِ) لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. (لَمْ يَضُرَّ مَا لَمْ يَطُلْ وُقُوفُهُ أَوْ) لَمْ (يَعْدِلْ عَنْ طَرِيقِهِ) فَإِنْ طَالَ أَوْ عَدَلَ ضَرَّ، وَلَوْ كَثُرَ خُرُوجُهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لِعَارِضٍ يَقْتَضِيهِ، فَقِيلَ يَضُرُّ لِنُدُورِهِ وَالْأَصَحُّ لَا يَضُرُّ نَظَرًا إلَى جِنْسِهِ وَلَا يُكَلَّفُ فِي الْخُرُوجِ لَهُمَا الْإِسْرَاعَ بَلْ يَمْشِي عَلَى سَجِيَّتِهِ الْمَعْهُودَةِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا وَاسْتَنْجَى فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ يَقَعُ تَابِعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ لَهُ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ.
(وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ) بِالْخُرُوجِ (بِمَرَضٍ يُحْوِجُ إلَى الْخُرُوجِ) فِي أَظْهَرْ الْقَوْلَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ كَالْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالثَّانِي يَنْقَطِعُ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يَغْلِبُ عُرُوضُهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَقَوْلُهُ يُحْوِجُ إلَى الْخُرُوجِ صَادِقٌ بِمَا يَشُقُّ مَعَهُ الْمَقَامُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْفِرَاشِ وَالْخَادِمِ وَتَرَدُّدِ الطَّبِيبِ، وَبِمَا يُخَافُ مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ كَالْإِسْهَالِ وَإِدْرَارِ الْبَوْلِ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا حِكَايَةُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَالْقَطْعُ فِي الثَّانِي بِالنَّفْيِ وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، أَمَّا الْمَرَضُ الَّذِي لَا يَشُقُّ مَعَهُ الْمُقَامُ فِي الْمَسْجِدِ كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى الْخَفِيفَةِ، فَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِالْخُرُوجِ بِسَبَبِهِ. (وَلَا) يَنْقَطِعُ (بِحَيْضٍ إنْ طَالَتْ مُدَّةُ الِاعْتِكَافِ)، بِأَنْ كَانَتْ لَا تَخْلُو عَنْهُ غَالِبًا كَشَهْرٍ. (فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَخْلُو عَنْهُ انْقَطَعَ فِي الْأَظْهَرِ) وَقِيلَ: الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ تُشْرَعَ فِي الِاعْتِكَافِ عَقِبَ طُهْرِهَا فَتَأْتِي بِهِ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ، وَالثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ، لِأَنَّ جِنْسَ الْحَيْضِ يَتَكَرَّرُ بِالْجِبِلَّةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي التَّتَابُعِ كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ. (وَلَا) يَنْقَطِعُ (بِالْخُرُوجِ) مِنْ الْمَسْجِدِ (نَاسِيًا) لِلِاعْتِكَافِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَنْقَطِعُ، لِأَنَّ اللُّبْثَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالنِّسْيَانُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ، بِأَظْهَرَ الْقَوْلَيْنِ وَالْمُكْرَهُ كَالنَّاسِي فِيمَا ذُكِرَ وَعَلَى الرَّاجِحِ، لَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ النَّاسِي إلَّا بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ فَوَجْهَانِ كَمَا لَوْ أَكَلَ الصَّائِمُ كَثِيرًا نَاسِيًا. (وَلَا) يَنْقَطِعُ (بِخُرُوجِ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ إلَى مَنَارَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ. (مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْمَسْجِدِ لِلْأَذَانِ) بِخِلَافِ غَيْرِ الرَّاتِبِ، (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا وَالثَّانِي يَنْقَطِعُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى صُعُودِ الْمَنَارَةِ لِإِمْكَانِ الْأَذَانِ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَالثَّالِثُ لَا يَنْقَطِعُ فِيهِمَا لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ لِلْمَسْجِدِ مَعْدُودَةٌ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَالْأَوَّلُ يَضُمُّ إلَى هَذَا الِاعْتِيَادِ الرَّاتِبِ صُعُودَهَا وَاسْتِئْنَاسَ النَّاسِ بِصَوْتِهِ فَيُعْذَرُ، وَيُجْعَلُ زَمَانُ الْأَذَانِ وَالْخُرُوجِ لَهُ مُسْتَثْنًى مِنْ اعْتِكَافِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا لِغَيْرِ الْأَذَانِ وَسَوَاءٌ فِي الْخِلَافِ فِيهَا كَانَتْ مُلْتَصِقَةً بِحَرِيمِ الْمَسْجِدِ أَمْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ، أَمَّا الَّتِي بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي رَحْبَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ فَلَا يَضُرُّ صُعُودُهَا لِلْأَذَانِ وَغَيْرِهِ، كَسَطْحِ الْمَسْجِدِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ أَوْ الرَّحْبَةِ أَمْ خَارِجَةً عَنْ سَمْتِ الْبِنَاءِ وَتَرْبِيعِهِ، وَلِلْإِمَامِ احْتِمَالٌ فِي الْخَارِجَةِ عَنْ السَّمْتِ قَالَ: لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يُنَازِعُهُ فِيمَا وُجِّهَ بِهِ، وَسَكَتَ عَلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ صَحِيحٌ.
(وَيَجِبُ قَضَاءُ أَوْقَاتِ الْخُرُوجِ) مِنْ الْمَسْجِدِ فِي أَدَاءِ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ الْمُتَتَابِعِ. (بِالْأَعْذَارِ) الَّتِي لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِهَا كَأَوْقَاتِ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَغَيْرِهِمَا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ فِيهَا، (إلَّا وَقْتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَأَوْقَاتُهُ كَالْمُسْتَثْنَاةِ لَفْظًا مِنْ الْمُدَّةِ الْمَنْذُورَةِ وَكَذَا أَوْقَاتُ الْأَذَانِ لِلْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الزَّمَانَ الْمَصْرُوفَ إلَى الْعَارِضِ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ لِذَلِكَ أَيْضًا.

. كتاب الحج:

(هُوَ فَرْضٌ) كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِعَارِضٍ كَالنَّذْرِ وَالْقَضَاءِ، (وَكَذَا الْعُمْرَةُ) فَرْضٌ (فِي الْأَظْهَرِ) كَالْحَجِّ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} أَيْ ائْتُوا بِهِمَا عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا سُنَّةٌ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ ؟ قَالَ لَا. وَأَنْ تَعْتَمِرَ فَهُوَ أَفْضَلُ». قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَلَا يُغْتَرُّ. يَقُولُ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:«قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ: جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ». وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ مَوْجُودٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ السُّؤَالِ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ«الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَعْتَمِرَ، وَتَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتُتِمَّ الْوُضُوءَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ». وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيَّ هَذَا اللَّفْظَ بِحُرُوفِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ.
(وَشَرْطُ صِحَّتِهِ) أَيْ الْحَجِّ (الْإِسْلَامُ) فَقَطْ فَلَا يَصِحُّ حَجُّ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ، لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ. (فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونِ). وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهَا، وَالْمُمَيِّزُ يُحْرِمُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. وَقِيلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَالْأَصْلُ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالصَّبِيَّةِ أَيْضًا مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ، فَفَزِعَتْ امْرَأَةٌ فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا فَقَالَتْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ. نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» وَقِيسَ الْمَجْنُونُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْوَلِيُّ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ. وَقِيلَ مَعَ وُجُودِهِ أَيْضًا وَكَذَا الْوَصِيُّ، وَقِيمَ الْحَاكِمُ دُونَ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأُمِّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَذِنَ الْأَبُ لِمَنْ يُحْرِمُ عَنْ الصَّبِيِّ فَالصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ صِحَّتُهُ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ صِفَةُ إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مُحْرِمًا، فَيَصِيرَ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ وَمُوَاجَهَتُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَطُوفُ الْوَلِيُّ بِهِ وَيُصَلِّي عَنْهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَيَسْعَى بِهِ، وَيُحْضِرُهُ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةَ وَالْمَوَاقِفَ، وَيُنَاوِلُهُ الْأَحْجَارَ فَيَرْمِيهَا إنْ قَدَرَ وَإِلَّا رَمَى عَنْهُ مَنْ لَا رَمْيَ عَلَيْهِ، وَالْمُمَيِّزُ يَطُوفُ وَيُصَلِّي وَيَسْعَى بِنَفْسِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمَجْنُونَ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فِيمَا ذُكِرَ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يُحْرِمُ عَنْهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَائِلِ الْعَقْلِ وَبُرْؤُهُ مَرْجُوٌّ عَلَى الْقُرْبِ. (وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ) بَالِغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا فَلَا تَصِحُّ مُبَاشَرَةُ الْمَجْنُونِ، وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَتَقَدَّمَ افْتِقَارُ الْمُمَيِّزِ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ. (وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِالْمُبَاشَرَةِ، إذَا بَاشَرَهُ الْمُكَلَّفُ) أَيْ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ (الْحُرُّ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا (فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ) كَمَا لَوْ تَحَمَّلَ الْغَنِيُّ خَطَرَ الطَّرِيقِ، وَحَجٌّ (دُونَ) حَجِّ (الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ) إذَا كَمَّلَا بَعْدَهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.«أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(وَشَرْطُ وُجُوبِهِ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:«مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا» أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبُ مُطَالَبَةٍ بِهِ فِي الدُّنْيَا، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبُ عِقَابٍ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ فِي الْكُفْرِ لَا أَثَرَ لَهَا إلَّا فِي الْمُرْتَدِّ، فَإِنَّ الْحَجَّ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ، بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. تَتِمَّةٌ: الْعُمْرَةُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَظْهَرِ بِفَرْضِيَّتِهَا كَالْحَجِّ فِي شَرْطِ مُطْلَقِ الصِّحَّةِ، وَصِحَّةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْوُجُوبِ وَالْإِجْزَاءِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَالِاسْتِطَاعَةُ الْوَاحِدَةُ كَافِيَةٌ لَهُمَا جَمِيعًا. (وَهِيَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ وَلَهَا شُرُوطٌ أَحَدُهَا وُجُودُ الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ وَمُؤْنَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي السَّفَرِ مُدَّةَ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَنْ يَجِدَ الزَّادَ وَأَوْعِيَتَهُ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي السَّفَرِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ أَوْ عَشِيرَةٌ اُشْتُرِطَ ذَلِكَ لِذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ. (أَهْلٌ) أَيْ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ. (وَعَشِيرَةٌ) أَيْ أَقَارِبُ، أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. (لَمْ تُشْتَرَطْ) فِي حَقِّهِ. (نَفَقَةُ الْإِيَابِ) الْمَذْكُورَةُ مِنْ الزَّادِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْبِلَادَ فِي حَقِّ مِثْلِهِ مُتَقَارِبَةٌ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهَا لِمَا فِي الْغُرْبَةِ مِنْ الْوَحْشَةِ، وَلِنَزْعِ النُّفُوسِ إلَى الْأَوْطَانِ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي اشْتِرَاطِ الرَّاحِلَةِ لِلرُّجُوعِ، وَسَيَأْتِي وَلَيْسَ الْمَعَارِفُ وَالْأَصْدِقَاءُ كَالْعَشِيرَةِ، لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِهِمْ مُتَيَسِّرٌ (فَلَوْ) لَمْ يَجِد مَا ذُكِرَ لَكِنْ (كَانَ يَكْتَسِبُ) فِي سَفَرِهِ (مَا يَفِي بِزَادِهِ) وَمُؤْنَتِهِ. (وَسَفَرُهُ طَوِيلٌ) أَيْ مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ (لَمْ يُكَلَّفْ الْحَجُّ)، لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ عَنْ الْكَسْبِ لِعَارِضٍ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَنْقَطِعُ فَالْجَمْعُ بَيْنَ تَعَبِ السَّفَرِ، وَالْكَسْبِ تَعْظُمُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ، (وَإِنْ قَصَرَ) أَيْ السَّفَرِ. (وَهُوَ يَكْتَسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ كُلِّفَ) الْحَجَّ، بِأَنْ يَخْرُجَ لَهُ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يَكْسِبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَّا كِفَايَةَ يَوْمِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ عَنْ كَسْبِهِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ فَيَتَضَرَّرُ. (الثَّانِي) مِنْ الشُّرُوطِ، (وُجُودُ الرَّاحِلَةِ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ) سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ أَمْ لَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ الْحَجُّ. (فَإِنْ لَحِقَتْهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ اُشْتُرِطَ وُجُودُ مَحْمِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. (وَاشْتُرِطَ شَرِيكٌ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الشَّرِيكَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَإِنْ وَجَدَ مُؤْنَةَ الْمَحْمِلِ بِتَمَامِهِ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي رُكُوبِ الْمَحْمِلِ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ الْكَنِيسَةُ، وَأَطْلَقَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهَا الْمَحْمِلُ، لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (وَمِنْ بَيْنِهِ وَبَيْنِهَا) أَيْ مَكَّةَ، (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ) وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ (فَإِنْ ضَعُفَ) عَنْ الْمَشْيِ (فَكَالْبَعِيدِ) عَنْ مَكَّةَ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ، وَالْمَحْمِلُ أَيْضًا إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرُّكُوبُ بِدُونِهِ، وَبِحَيْثُ اُعْتُبِرَ وُجُودُهُمَا فَالْمُرَادُ التَّمَكُّنُ مِنْ تَحْصِيلِهِمَا بِشِرَاءٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ) بِمَا ذُكِرَ مَعَهُمَا (فَاضِلَيْنِ عَنْ دِينِهِ وَمُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) وَالْمُؤْنَةُ تَشْمَلُ النَّفَقَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهَا، كَالْكِسْوَةِ وَسَوَاءٌ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ، لِأَنَّهُ نَاجِزٌ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي وَالْمُؤَجَّلِ لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ مَا مَعَهُ إلَى الْحَجِّ، فَقَدْ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَلَا يَجِدُ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ، وَقَدْ تَخْتَرِمُهُ الْمَنِيَّةُ فَتَبْقَى ذِمَّتُهُ مَرْهُونَةً، وَلَوْ كَانَ مَالُهُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ فِي الْحَالِ فَكَالْحَاصِلِ، وَإِلَّا فَكَالْمَعْدُومِ، (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ الْفَاضِلِ عَمَّا ذُكِرَ. (فَاضِلًا) أَيْضًا (عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ) لِزَمَانَتِهِ أَوْ مَنْصِبِهِ، وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ بَلْ عَلَيْهِ بَيْعُهُمَا، وَيَكْتَفِي بِالِاكْتِرَاءِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُسْتَغْرِقَةً لِحَاجَتِهِ، وَكَانَتْ سُكْنَى مِثْلِهِ وَالْعَبْدُ عَبْدَ مِثْلِهِ، فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِ الدَّارِ وَوَفَّى ثَمَنُهُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ، أَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ لَا يَلِيقَانِ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ أَبْدَلَهُمَا لَوَفَّى التَّفَاوُتُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ جَزْمًا وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَأْتِيَ فِي النَّفِيسَيْنِ الْمَأْلُوفَيْنِ الْخِلَافُ فِيهِمَا فِي الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ مُعْتَرَضًا بِهِ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ عَوْدِهِ هُنَا.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ بِمَا ذُكِرَ مَعَهُمَا وَفَارَقَ الْمَسْكَنَ وَالْعَبْدَ، لِأَنَّهُمَا مُحْتَاجٌ إلَيْهِمَا فِي الْحَالِ وَهُوَ إنَّمَا يُتَّخَذُ ذَخِيرَةً لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ لِئَلَّا يَلْتَحِقَ بِالْمَسَاكِينِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مُسْتَغَلَّاتٌ يُحَصِّلُ مِنْهَا نَفَقَتَهُ لَزِمَهُ بَيْعُهَا وَصَرْفُهَا إلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصَحِّ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ الْفَقِيهَ بَيْعُ كُتُبِهِ لِلْحَجِّ فِي الْأَصَحِّ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ كُلِّ كِتَابٍ نُسْخَتَانِ، فَيَلْزَمُهُ بَيْعُ إحْدَاهُمَا لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَوْ مَلَكَ مَا يُمْكِنُهُ بِهِ الْحَجُّ وَاحْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ لِخَوْفِهِ الْعَنَتَ، فَصَرْفُ الْمَالِ إلَى النِّكَاحِ أَهَمُّ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ نَاجِزَةٌ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي، وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ بِوُجُوبِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ. (الثَّالِثُ) مِنْ الشُّرُوطِ (أَمْنُ الطَّرِيقِ) ظَنًّا بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ. (فَلَوْ خَافَ) فِي طَرِيقِهِ (عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصْدِيًّا وَلَا طَرِيقَ) لَهُ (سِوَاهُ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ) عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الرَّصَدِيُّ يَرْضَى بِشَيْءٍ يَسِيرٍ وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الَّذِينَ يَخَافُهُمْ مُسْلِمِينَ أَمْ كُفَّارًا، لَكِنْ إنْ كَانُوا كُفَّارًا وَأَطَاقُوا مُقَاوَمَتَهُمْ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا لِلْحَجِّ وَيُقَاتِلُوهُمْ، لِيَنَالُوا ثَوَابَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمْ يُسْتَحَبَّ الْخُرُوجُ وَالْقِتَالُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ آمِنٌ لَزِمَهُ سُلُوكُهُ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الْأَوَّلِ إذَا وَجَدَ مَا يَقْطَعُهُ بِهِ
(وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحْرِ) لِمَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ سِوَاهُ، (إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ) فِي رُكُوبِهِ كَسُلُوكِ طَرِيقِ الْبَرِّ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ عَوَارِضَ الْبَحْرِ عَسِرَةُ الدَّفْعِ، فَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ لِخُصُوصِ ذَلِكَ الْبَحْرِ أَوْ لِهَيَجَانِ الْأَمْوَاجِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، لَمْ يَجِبْ رُكُوبُهُ جَزْمًا وَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَوَجْهَانِ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ، وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ اُسْتُحِبَّ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ، وَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ حَرُمَ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَفِي التَّحْرِيمِ وَجْهَانِ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي لُزُومِ رُكُوبِهِ مُطْلَقًا لِلُزُومِ الظَّوَاهِرِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْحَجِّ، وَعَدَمُ اللُّزُومِ لِمَا فِي رُكُوبِهِ مِنْ الْخَوْفِ وَالْخَطَرِ هَذَا كُلُّهُ فِي الرَّجُلِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِيهَا خِلَافٌ مُرَتَّبٌ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ لِضَعْفِهَا عَنْ احْتِمَالِ الْأَهْوَالِ، وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ مُعَرَّضَةٌ لِلِانْكِشَافِ وَغَيْرِهِ لِضِيقِ الْمَكَانِ، فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَيْهَا لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهَا، وَقِيلَ: يَطَّرِدُ الْخِلَافُ وَلَيْسَتْ الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ كَجَيْحُونَ وَنَحْوِهِ فِي حُكْمِ الْبَحْرِ لِأَنَّ الْمُقَامَ فِيهَا لَا يَطُولُ وَالْخَطَرَ فِيهَا لَا يَعْظُمُ، (وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَذْرَقَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْخِفَارَةُ، لِأَنَّهَا مِنْ أُهُبِ الْحَجِّ فَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا، وَالثَّانِي يَقُولُ: هِيَ خُسْرَانٌ لِدَفْعِ الظُّلْمِ، فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ مَعَ طَلَبِهَا، وَالْخِلَافُ وَجْهَانِ وَالتَّصْحِيحُ لِلْإِمَامِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ، والخراسانيي نَ أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَى خَفَارَةٍ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ، وَحَمَلَهُ عَلَى إرَادَةِ مَا يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيُّونَ فِي الْمَرَاصِدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(وَيُشْتَرَطُ) فِي وُجُوبِ الْحَجِّ (وُجُودُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَهُوَ الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ)، فَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ بِهَا لِخُلُوِّهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَانْقِطَاعِ الْمِيَاهِ أَوْ كَانَ يُوجَدُ بِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ، (وَعَلْفُ الدَّابَّةِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ). لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَعْظُمُ بِحَمْلِهِ لِكَثْرَتِهِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْعَادَةِ فِيهِ كَالْمَاءِ، (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي الْمَرْأَةِ) لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا (أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ) بِنَسَبٍ أَوْ غَيْرِ نَسَبٍ. (أَوْ نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ) لِتَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهَا (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ لِإِحْدَاهُنَّ) لِأَنَّ الْأَطْمَاعَ تَنْقَطِعُ بِجَمَاعَتِهِنَّ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ لِيُكَلِّمَ الرِّجَالُ عَنْهُنَّ، وَيُعِينَهُنَّ إذَا نَابَهُنَّ أَمْرٌ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الزَّوْجُ، وَقَدْ عَطَفَهُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَوْ، (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا) لِأَنَّهُ مِنْ أُهْبَةِ سَفَرِهَا فَفِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ:«لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ»، فَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا قُدْرَتُهَا عَلَى أُجْرَتِهِ وَالثَّانِي يَقُولُ: مِنْ حَقِّهِ الْخُرُوجُ مَعَهَا فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِأُجْرَةٍ، لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَيْهَا وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أُجْرَةِ الْبَذْرَقَةِ وَأَوْلَى بِاللُّزُومِ وَيَظْهَرُ أَنَّ أُجْرَةَ الزَّوْجِ كَأُجْرَةِ الْمَحْرَمِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْمَحْرَمِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَرْأَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ نِسْوَةٌ مِنْ مَحَارِمَ كَإِخْوَانِهِ، وَعَمَّاتِهِ جَازَ وَإِنْ كُنَّ أَجْنَبِيَّاتٍ فَلَا لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ بِهِنَّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ إهـ. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا بِيَسِيرٍ الْمَشْهُورُ جَوَازُ خَلْوَةِ رَجُلٍ بِنِسْوَةٍ لَا مَحْرَمَ لَهُ فِيهِنَّ، مُعْتَرِضًا بِهِ قَوْلَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ فَاسْتُغْنِيَ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ عَنْ مِثْلِهِ فِي الْخُنْثَى الْمُلْحَقِ بِالرَّجُلِ احْتِيَاطًا. (الرَّابِعُ) مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) فِي مَحْمِلٍ فَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا أَصْلًا أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهَا فِي مَحَلٍّ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَنْ انْتَفَتْ عَنْهُ الْمَشَقَّةُ فِي الْمَحْمِلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَعَلَى الْأَعْمَى الْحَجُّ إنْ وَجَدَ قَائِدًا) مَعَ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ يَقُودُهُ وَيَهْدِيهِ عِنْدَ النُّزُولِ، وَيُرْكِبُهُ وَيُنْزِلُهُ (وَهُوَ) فِي حَقِّهِ (كَالْمَحْرَمِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ). قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَيَكُونُ فِي وُجُوبِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ. (وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ) فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ، (لَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ) لِتَبْذِيرِهِ (بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَلِيُّ أَوْ يُنَصِّبُ شَخْصًا لَهُ) لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ أُجْرَتَهُ كَأُجْرَةِ الْمَحْرَمِ.
(تَنْبِيهٌ): يَدْخُلُ فِي شَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ مَا ذَكَرَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَجِدَ رُفْقَةً يَخْرُجُ مَعَهُمْ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي: فَإِنْ كَانَتْ الطَّرِيقُ بِحَيْثُ لَا يَخَافُ الْوَاحِدُ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الرُّفْقَةِ، أَمَّا إمْكَانُ السَّيْرِ وَهُوَ أَنْ يَبْقَى زَمَنٌ يُمْكِنُ السَّيْرُ فِيهِ إلَى الْحَجِّ السَّيْرَ الْمَعْهُودَ، فَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّتِهِ لَيَجِبَ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ، وَلَيْسَ شَرْطًا لِأَصْلِ الْوُجُوبِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ فِي الْحَالِ كَالصَّلَاةِ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُهَا وَتَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ بِمُضِيِّ زَمَنِ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهَا، وَصَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ الْأَوَّلَ وَأَجَابَ عَنْ الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِإِمْكَانِ تَتْمِيمِهَا. (النَّوْعُ الثَّانِي اسْتِطَاعَةُ تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِهِ فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ) كَمَا تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ اُسْتُحِبَّ لِوَارِثِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، فَإِنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ بِاسْتِئْجَارٍ سَقَطَ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَوْ حَجَّ عَنْهُ أَجْنَبِيٍّ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَارِثُ كَمَا يَقْضِي دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَارِثِ وَيَبْرَأُ الْمَيِّتُ بِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ:«أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا». وَرَوَى النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ«أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَجِّ عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته عَنْهُ، أَكَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاحْجُجْ عَنْهُ» (وَالْمَعْضُوبُ الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ) لِكِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (إنْ وَجَدَ أُجْرَةَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ) الْحَجُّ بِهَا (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا فَاضِلَةً عَنْ الْحَاجَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الْعِيَالِ ذَهَابًا وَإِيَابًا)، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُفَارِقْ أَهْلَهُ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ نَفَقَتِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أُجْرَةَ مَاشٍ وَجَبَ اسْتِئْجَارُهُ فِي الْأَصَحِّ إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِ الْأَجِيرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّ بِنَفْسِهِ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ، وَقَوْلُهُ الْعَاجِزُ إلَخْ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ لِلْمَعْضُوبِ، (وَلَوْ بَذَلَ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ أَعْطَى (وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ لِمَا) فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ الثَّقِيلَةِ، وَالثَّانِي يَجِبُ لِحُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ بِهِ، وَالْوُجُوبُ فِي الْوَلَدِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْأَجْنَبِيِّ وَبَذْلُ الْأَبِ الْمَالَ كَبَذْلِ الِابْنِ أَوْ كَبَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ فِيهِ احْتِمَالَانِ: ذَكَرَهُمَا الْإِمَامُ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ.
(وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ) فِي الْحَجِّ (وَجَبَ قَبُولُهُ) بِالْإِذْنِ لَهُ فِيهِ، (وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ فِي الْأَصَحِّ) وَالْمِنَّةُ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ كَالْمِنَّةِ فِي الْمَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَنْكِفُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِمَالِ الْغَيْرِ، وَلَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِبَدَنِهِ فِي الْأَشْغَالِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوَلَدَ بِضْعَةٌ مِنْهُ فَنَفْسُهُ كَنَفْسِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَالْأَخُ وَالْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ، لِأَنَّ اسْتِخْدَامَهَا يَثْقُلُ وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ أَوْ الْوَالِدُ الطَّاعَةَ لِيَحُجَّ مَاشِيًا، فَفِي وُجُوبِ قَبُولِهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ لَا يَجِبُ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشْيُهُمَا بِخِلَافِ مَشْيِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ طَلَبَ الْوَالِدُ مِنْ الْوَلَدِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ إجَابَتُهُ كَمَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ إحْرَامِهِ لَمْ يَجُزْ أَوْ قَبْلَهُ جَازَ فِي الْأَصَحِّ إذَا كَانَ رُجُوعُهُ الْجَائِزُ، قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أَهْلُ بَلَدِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَبِ. وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:«أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ» وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

. باب المواقيت للحج والعمرة:

زَمَانًا وَمَكَانًا (وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ) بِالْأَيَّامِ بَيْنَهَا (مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ)، وَهِيَ الْعَاشِرَةُ (وَجْهٌ) أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وَقْتِهِ (فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ، فَإِذَا لَمْ يُقْبِلْ الْوَقْتُ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ إلَى مَا يُقْبِلُهُ، وَهُوَ الْعُمْرَةُ وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ عُمْرَةً كَمَا لَا يَنْعَقِدُ حَجًّا وَلَكِنْ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَنْ فَاتَ حَجَّةً، فَعَلَى الْأَوْلَى إذَا أَتَى بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ سَقَطَتْ عَنْهُ عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الثَّانِي وَسَوَاءٌ فِي الِانْعِقَادِ الْجَاهِلُ بِالْحَالِ وَالْعَالِمُ بِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ أَصَحِّ الطُّرُقِ الْحَاكِيَةِ لِقَوْلَيْنِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِيَةُ قَاطِعَةٌ بِالثَّانِي، وَالثَّالِثَةُ نَقُولُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ مُبْهَمًا، فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ كَانَ عُمْرَةً صَحِيحَةً، وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ فَهَذِهِ مِنْ مُقَابِلِ الصَّحِيحِ أَيْضًا، وَعَبَّرَ بِهِ دُونَ الْمَذْهَبِ إشَارَةً إلَى ضَعْفِ الْخِلَافِ (وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ) وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِحْرَامُ بِهَا لِعَارِضٍ كَالْعَاكِفِ بِمِنًى، لِلْمَبِيتِ وَالرَّمْيُ لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِهَا، لِعَجْزِهِ عَنْ التَّشَاغُلِ بِعَمَلِهَا.
(وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ) مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ، (نَفْسُ مَكَّةَ) لِلْحَدِيثِ الْآتِي (وَقِيلَ كُلُّ الْحَرَمِ) لِاسْتِوَاءِ مَكَّةَ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ الْحَرَمِ فِي الْحُرْمَةِ، وَقَوْلُهُ لِلْحَجِّ يَشْمَلُ الْمُفْرِدَ وَالْقَارِنَ. وَقِيلَ: يَجِبُ أَنْ يَخْرُجَ الْقَارِنُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ، كَمَا لَوْ أَفْرَدَ الْعُمْرَةَ. (وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَمِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ، وَمِنْ تِهَامَةَ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ، وَمِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنٌ وَمِنْ الْمَشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ تِهَامَةُ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَمِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنٌ وَمِنْ الْمَشْرِقِ) الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِ (ذَاتُ عِرْقٍ) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ. وَقَالَ: هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ». وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ عَائِشَةَ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ». وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَكَذَا الدَّارَقُطْنِيَّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ عَائِشَةَ.«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ». (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ) وَهُوَ الطَّرَفُ الْأَبْعَدُ مِنْ مَكَّةَ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ مُحْرِمًا. (وَيَجُوزُ مِنْ آخِرِهِ) لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا يَنْتَهِي إلَى مِيقَاتٍ) مِمَّا ذُكِرَ (فَإِنْ حَاذَى) بِإِعْجَامِ الذَّالِ (مِيقَاتًا) مِنْهَا أَيْ سَامَتَهُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً، (أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي الْبَرِّ أَمْ فِي الْبَحْرِ (أَوْ) حَاذَى (مِيقَاتَيْنِ) مِنْهَا بِأَنْ كَانَ طَرِيقُهُ بَيْنَهُمَا، (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مُحَاذَاةِ أَبْعَدِهِمَا) مِنْ مَكَّةَ. وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْمَسَافَةِ إلَى مَكَّةَ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِمَا سَوَاءٌ تَسَاوَيَا فِي الْمَسَافَةِ إلَى طَرِيقِهِ أَمْ تَفَاوَتَا، وَمَسْأَلَةُ الْخِلَافِ مَفْرُوضَةٌ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْمَسَافَةِ إلَى طَرِيقِهِ، وَفِيهِمَا لَوْ تَفَاوَتَ الْمِيقَاتَانِ فِي الْمَسَافَةِ إلَى مَكَّةَ، وَإِلَى طَرِيقِهِ فَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْقُرْبِ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَّةَ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ. (وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ) مِيقَاتًا (أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) إذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْمَوَاقِيتِ أَقَلَّ مَسَافَةً مِنْ هَذَا الْقَدْرِ، (وَمَنْ مَسْكَنِهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ مَسْكَنُهُ) مِنْ قَرْيَةٍ أَوْ حِلَّةٍ لِمَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَوَاقِيتِ، فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ (وَمَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ) لِمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا. (وَإِنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا) نُسُكًا (لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بِالْإِجْمَاعِ (فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الْعَوْدُ) إلَيْهِ (لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا) كَانَ لَهُ عُذْرٌ، كَأَنْ (ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا) أَوْ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ شَاقٌّ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ. (فَإِنْ لَمْ يَعُدْ) لِلْعُذْرِ أَوْ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ دَمٌ) إذَا أَحْرَمَ لِإِسَاءَتِهِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا رَوَاهُ مَالِكٌ. وَإِنْ عَادَ وَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ دَخَلَ مَكَّةَ أَمْ لَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: إنْ كَانَ دَخَلَهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقِيلَ: إنْ عَادَ بَعْدَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ (وَإِنْ أَحْرَمَ ثُمَّ عَادَ) إلَى الْمِيقَاتِ. (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَادَ) إلَيْهِ (قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ) عَنْهُ لِقَطْعِهِ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا، وَأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ بَعْدَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ (فَلَا) يَسْقُطُ الدَّمُ لِتَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ النُّسُكُ رُكْنًا كَالْوُقُوفِ أَمْ سُنَّةً كَطَوَافِ الْقُدُومِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ إطْلَاقُ الْغَزَالِيِّ وَطَائِفَةٍ وَجْهَيْنِ فِي سُقُوطِ الدَّمِ. وَجْهُ عَدَمِ السُّقُوطِ تَأَكُّدُ الْإِسَاءَةِ بِإِنْشَاءِ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَإِنْ طَالَتْ الْمَسَافَةُ فَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَسْقُطَ، وَإِنْ دَخَلَ مَكَّةَ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ السُّقُوطِ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي التَّفْصِيلِ بِالْمَذْهَبِ، وَلَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الدَّمِ لِلْمُجَاوِزِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ ذَاكِرًا لَهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِهِ، وَلَا إثْمَ عَلَى النَّاسِي وَالْجَاهِلِ. (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ) مَنْ هُوَ فَوْقَ الْمِيقَاتِ (مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا (وَفِي قَوْلٍ) الْأَفْضَلُ (مِنْ الْمِيقَاتِ قُلْت: الْمِيقَاتُ أَظْهَرُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«أَحْرَمَ بِحَجَّتِهِ وَبِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ». رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالثَّانِي الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي.
(وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الْحَرَمِ مِيقَاتُ الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ (وَمَنْ بِالْحَرَمِ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ) مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ فَيُحْرِمُ بِهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«أَرْسَلَ عَائِشَةَ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَجِّ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ مِنْهُ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتَّنْعِيمُ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْخُرُوجُ وَاجِبًا لَمَا أَمَرَهَا بِهِ لِضِيقِ الْوَقْتِ بِرَحِيلِ الْحَاجِّ (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ أَجْزَأَتْهُ) عَنْ عُمْرَتِهِ (فِي الْأَظْهَرِ وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَالثَّانِي لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْحَجِّ. لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ (فَلَوْ خَرَجَ) عَلَى الْأَوَّلِ (إلَى الْحِلِّ بَعْدَ إحْرَامِهِ) فَقَطْ (سَقَطَ الدَّمُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَالثَّانِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَوْدِ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ إلَيْهِ مُحْرِمًا. وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُجَاوِزَ مُسِيءٌ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ (وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ) لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (الْجِعْرَانَةُ ثُمَّ التَّنْعِيمُ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«أَحْرَمَ بِهَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَرَ عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ مِنْ التَّنْعِيمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَعْدَ إحْرَامِهِ بِهَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَيْهَا مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا فَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ مَا فَعَلَهُ ثُمَّ مَا أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ مَا هَمَّ بِهِ وَالْجِعْرَانَةُ وَالْحُدَيْبِيَةُ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ وَالْأُولَى بِطَرَفِ الطَّائِفِ، وَالثَّانِيَةُ بَيْنَ طَرِيقِ جَدَّةَ وَطَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَالتَّنْعِيمُ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَفِيهِ مَسَاجِدُ عَائِشَةَ.